فصل: باب الترغيب في القضاء بالحق

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الاستذكار لمذاهب علماء الأمصار فيما تضمنه الموطأ من معاني الرأي والآثار ***


باب الشرط في الرقيق في المساقاة

1374- قال مالك ان احسن ما سمع في عمال الرقيق في المساقاة يشترطهم المساقي على صاحب الاصل انه لا باس بذلك لانهم عمال المال فهم بمنزلة المال لا منفعة فيهم للداخل الا انه تخف عنه بهم المؤونة وان لم يكونوا في المال اشتدت مؤونته وانما ذلك بمنزلة المساقاة في ا لعين والنضح ولن تجد احدا يساقي في ارضين سواء في الاصل والمنفعة احداهما بعين واثنة غزيرة والاخرى بنضح على شيء واحد لخفة مؤنة العين وشدة مؤنة النضح قال وعلى ذلك الامر عندنا قال والواثنة الثابت ماءها التي لا تغور ولا تنقطع إلى اخر كلامه في الباب ومعنى كلامه انه لا يجوز للعامل ان يشترط ان يعمل برقيق الحائط في غيره ولا ان يشترط في الرقيق ما ليس فيه ولا لرب المال ان يخرج من رقيق المال من كان فيه في عقد في المساقاة وله ذلك قيل وانما يساقيه على حاله ومن مات من الرقيق او لحقته افة فعلى رب المال ان يخلفه هذا كله معنى قوله إلى اخر الباب وانما لم يجز له ان يشترط في العقد على العامل ان ياخذ من رقيق الحائط احدا كان فيخرجه عنه بشرط العقد لانه اذا فعل ذلك فقد ازداد عليه زيادة كما لو اشترط عليه نخله بعينها او عملا يعمله له خاصة في الحائط واما اذا خرج الرقيق من الحائط قبل عقد المساقاة فقد فعل ما كان له فعله في ماله وساقى الحائط على ماله قال ابو عمر كلامه - رحمه الله - انما هو في اشتراط العامل على رب الحائط ما كان في الحائط من الرقيق فهذا لم يختلف قوله ولا قول اصحابه فيه فان اشترط العامل رقيقا لم يكونوا عنده في الحائط فقد اختلفوا في ذلك فقال بن القاسم في ‏(‏المدونة‏)‏ بلغني ان مالكا سهل في الدابة الواحدة يشترطها العامل على رب الحائط اذا لم تكن فيه قال وذلك عندي اذا كان الحائط كثيرا له قدر فاما الحائط الصغير فلا يجوز وفي ‏(‏العتبية‏)‏ روى عيسى عن بن القاسم عن مالك مثل ذلك وقاله بن القاسم وروى يحيى بن يحيى عن نافع انه قال لست اخذ بقول مالك في ذلك ولا ارى باسا ان يشترط العامل عدا من الرقيق وان لم يكونوا في الحائط يومئذ واما الشافعي فقال لا باس ان يشترط المساقي على رب النخل غلمانا يعملون معه لا يستعملهم في غيره ونفقة الرقيق على ما يتشارطان عليه وليس نفقة الرقيق باكثر من اجرتهم فاذا جاز ان يعملوا للمساقي بغير اجر جاز ان يعملوا له بغير نفقة وقال محمد بن الحسن لا باس ان يشترط رب المال في المساقاة والمزارعة على المساقي دولابا والات يستقي عليها الزرع ولو اشترطه العامل على رب الارض لم يجز‏.‏

كتاب كراء الارض

باب ما جاء في كراء الارض

1375- مالك عن ربيعة بن ابي عبد الرحمنن عن حنظلة بن قيس الزرقي عن رافع بن خديج ان رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن كراء المزارع قال حنظلة فسالت رافع بن خديج بالذهب والورق فقال اما بالذهب والورق فلا باس به‏.‏

1376- مالك عن بن شهاب انه قال سالت سعيد بن المسيب عن كراء الارض بالذهب والورق فقال لا باس به‏.‏

1377- مالك عن بن شهاب انه سال سالم بن عبد الله بن عمر عن كراء المزارع فقال لا باس بها بالذهب والورق قال بن شهاب فقلت له ارايت الحديث الذي يذكر عن رافع بن خديج فقال اكثر رافع ولو كان لي مزرعة اكريتها‏.‏

1378- مالك انه بلغه ان عبد الرحمن بن عوف تكارى ارضا فلم تزل في يديه بكراء حتى مات قال ابنه فما كنت اراها الا لنا من طول ما مكثت في يدى ه حتى ذكرها لنا عند موته فامرنا بقضاء شيء كان عليه من كرائها ذهب او ورق‏.‏

1379- مالك عن هشام بن عروة عن ابيه انه كان يكري ارضه بالذهب والورق وسئل مالك عن رجل اكرى مزرعته بمائة صاع من تمر او مما يخرج منها من الحنطة او من غير ما يخرج منها فكره ذلك قال ابو عمر قد مضى والحمد لله في المساقاة مذهب مالك في كراء الارض وما يجوز ان تكرى به وما اختلف فيه اصحابه من ذلك واما هذا الباب فانما يقتضي اشارة كلها اجازة كراء الارض بالذهب والورق ويقتضي ايضا الرد على من كره كراء الارض بكل حال ونحن بحول الله تعالى نبين ذلك - ان شاء الله عز وجل فاما حديث مالك في هذا الباب عن ربيعة عن حنظلة عن رافع ان رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن كراء المزارع فظاهره يقتضي النهي عن كرائها بكل حال الا ان رافعا استثنى من ذلك كراءها بالذهب والورق وقد روى عنه بن عمر هذا الخبر وحمله على العموم فترك كراء المزارع وروى معمر ويونس وعقيل عن بن شهاب عن سالم عن بن عمر كان يكري ارضه حتى بلغه ان رافع بن خديج كان يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم انه نهى عن كراء المزارع فترك بن عمر كراءها ورواه جويريه عن مالك عن بن شهاب كذلك وروى الليث بن سعد عن يزيد بن ابي حبيب عن ابي بجير ان رافع بن خديج كان يقول منعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ان نكري المحاقل وروى عبد الكريم عن مجاهد عن بن رافع بن خديج عن ابيه قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن اجارة الارض فهذه الرواية في حديث رافع بن خديج وظاهرها انه لا يجوز كراء المزارع بحال لا بذهب ولا بفضة ولا بغير ذلك والى هذا ذهب طاوس اليماني فقال انه لا يجوز كراء الارض بالذهب ولا بالورق ولا بالعروض وبه قال ابو بكر عبد الرحمن بن كيسان الاصم قال لا يجوز كراء الارض بشيء من الاشياء لانها اذا استؤجرت وحضرها المستأجر واصلحها لعله ان يحرق زرعه فيردها وقد زادت وانتفع رب الارض ولم ينتفع المستاجر فمن هنا لم يجز لاحد ان يستاجرها والله اعلم قال ابو عمر هذا ليس بشيء وانما كره كراءه من كرهه للحديث الماثور عن النبي صلى الله عليه وسلم بذلك قال ابو عمر ومن حجة من لم يجز كراء الارض بشيء من الاشياء وابى من ذلك حديث ضمرة بن ربيعة عن بن شوذب عن مطر عن عطاء عن جابر قال خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‏(‏من كانت له ارض فليزرعها او ليزرعها ولا يؤاجرها‏)‏ وقد ذكرنا اسانيد هذه الاحاديث في ‏(‏التمهيد‏)‏ وقال اخرون جائز كراء الارض لمن شاء ولكنه لا يجوز بشيء غير الذهب والورق واحتجوا بحديث طارق بن عبد الرحمن عن سعيد بن المسيب عن رافع بن خديج عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال ‏(‏انما يزرع ثلاثة رجل له ارض فهو يزرعها ورجل منح ارضا فهو يزرع ما منح ورجل اكترى بذهب او فضة‏)‏ قالوا فلا يجوز ان يتعدى ما في هذا الحديث لما فيه من البيان والتوفيق وهو مذهب ربيعة وسعيد بن المسيب وروى بن عيينة عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب انه كان لا يرى باسا بكراء الارض البيضاء بالذهب والورق وبن عيينة عن عبد الكريم الجزري عن سعيد بن جبير عن بن عباس وبن جريج عن عطاء عن بن عباس انه لم يكن يرى بكراء الارض البيضاء باسا بالذهب والورق وقال اخرون جائز ان تكرى الارض البيضاء بكل شيء من الاشياء ما خلا الطعام فانه لا يجوز كراؤها بشيء من الطعام كله واحتجوا بحديث يعلى بن حكيم عن سليمان بن يسار عن رافع بن خديج قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏(‏من كانت له ارض فليزرعها او ليزرعها اخاه ولا يكريها بثلث ولا بربع ولا بطعام مسمى ‏)‏ والى هذا ذهب مالك واكثر اصحابه قالوا فقد حاجز في هذا الحديث ومنع من كراء الارض بالطعام المعلوم وغير المعلوم وتاولوا في نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المحاقلة انه كراء الارض بالطعام وذكروا حديث سعيد بن المسيب مرفوعا وفيه المحاقلة استكراء الارض بالحنطة قالوا وسائر طعامه كله في معناها وجعلوه من باب الطعام بالطعام نسيئة وقال اخرون جائز كراء الارض بالذهب والورق والطعام كله وسائر العروض كلها اذا كان معلوما قالوا وكل ما جاز ان يكون ثمنا لشيء فجائز ان يكون اجرة في كراء الارض ما لم يكن مجهولا او غررا وهو قول سالم وغيره وروى بن عيينة عن عمرو بن دينار انه حدثه قال سمعت سالم بن عبد الله يقول اكثر رافع على نفسه في كراء الارض والله لنكرينها كراء الابل وذكر إسماعيل بن إسحاق قال حدثني بن اخي جويريه قال حدثنا جويرية عن مالك عن الزهري ان سالم بن عبد الله اخبره وساله عن كراء المزارع فقال اخبر رافع بن خديج عبد الله بن عمر عن عميه وكانا قد شهدا بدرا ان رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن كراء المزارع قال فترك عبد الله كراءها وقد كان يكريها قبل ذلك قال الزهري فقلت لسالم افتكريها انت قال نعم قد كان عبد الله يكريها قلت فاين حديث رافع بن خديج فقال ان رافعا اكثر على نفسه والى هذا ذهب الشافعي واصحابه ومن حجتهم حديث الاوزاعي عن ربيعة بن ابي عبد الرحمن عن حنظلة بن قيس الانصاري قال سالت رافع بن خديج عن كراء الارض بالذهب والورق فقال لا باس بذلك انما كان الناس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤاجرون الارض بما على الماذيانات في اقبال الجداول فيهلك هذا ويسلم هذا ويهلك هذا فكذلك زجر عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فاما شيء مضمون معلوم فلا قالوا فقد اخبرنا رافع بالعلة التي نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كراء المزارع وكذلك جهل البدل واخبر ان كراءها بكل شيء معلوم جائز وروى الثوري وبن عيينة ويزيد بن هارون عن يحيى بن سعيد الانصاري قال اخبرني حنظلة بن قيس انه سمع رافع بن خديج قال كنا اكثر الانصار حقلا فكنا نخابر فنقول لهذا هذا الجانب ولهذا هذا الجانب يزرعها لنا فربما اخرجت هذه ولم تخرج هذه فنهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فاما بذهب او ورق فلم ينه عنه وهذا لفظ بن عيينة قال ابو عمر يعني وما كان في معنى الذهب والورق من الاثمار المعلومات وقيل لابن عيينة ان مالكا يروي هذا الحديث عن ربيعة فقال وما يريد منه وما يرجو منه يحيى بن سعيد احفظ منه وقد حفظناه عنه قال ابو عمر رواية مالك لهذا الحديث عن ربيعة مختصرة فقد ذكرنا اثار هذا الباب كلها باسانيدها من طرق في ‏(‏التمهيد‏)‏ وقال اخرون جائز كراء الارض بجزء مما يزرع فيها مكتريها بثلث او ربع او نصف واحتجوا بحديث بن المبارك وغيره عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن عبد الله بن عمر ان رسول الله صلى الله عليه وسلم اعطى يهود خيبر النخل والارض على ان يعملوها ويزرعوها وله شطر ما يخرج فيها قالوا هذا الحديث اصح من احاديث رافع لانها مضطربة المتون جدا وقد ذكرنا القائلين بجواز المزارعة وهي اعطاء الارض على النصف والثلث والربع فيما مضى من المساقاة والحمد لله كثيرا وروى سفيان عن بن عيينة عن عمرو بن دينار وبن طاوس قالا كان طاوس يخابر قال عمرو فقلت له يا ابا عبد الرحمن لو تركت هذه المخابرة فانهم يزعمون ان رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنها قال حدثنا عمر واخبرني بذلك اعلمهم - يعني بن عباس - ان رسول الله صلى الله عليه وسلم لم ينه عنها يمنح احدكم اخاه خير له ممن ياخذ عليها اجرا معلوما وقدم معاذ بن جبل اليمن حين بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يخابرون واقرهم وانا اعطيهم فاكون شريكهم فان نقصوا كنت قد نقصت معهم قال سفيان يقول لي نصيبي مما ربحوا وعلي ما نقصوا وذكر إسماعيل بن إسحاق قال حدثني بن اخي جويرية قال حدثني جويرية عن مالك قال سالت الزهري عن كراء الارض بالثلث والربع فقال ذلك حسن‏.‏

كتاب الشفعة

باب ما تقع فيه الشفعة

1380- مالك عن بن شهاب عن سعيد بن المسيب وعن ابي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بالشفعة فيما لم يقسم بين الشركاء فاذا وقعت الحدود بينهم فلا شفعة فيه قال مالك وعلى ذلك السنة التي لا اختلاف فيها عندنا هكذا روى هذا الحديث مرسلا جمهور رواة ‏(‏الموطا‏)‏ ورواه ابو عاصم النبيل وعبد الملك بن عبد العزيز بن الماجشون ويحيى بن ابراهيم بن داود بن ابي قتيلة وابو يوسف وسيد بن داود الزنبري هؤلاء الخمسة رووه كلهم عن مالك عن بن شهاب عن سعيد وابي سلمة عن ابي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم بمعناه فاسندوه وجعلوه عن ابي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد ذكرنا الاسانيد عنهم بما ذكرنا في ‏(‏التمهيد‏)‏ وذكرنا الاختلاف على بن شهاب في ارساله واسناده ايضا وقد رواه بن إسحاق عن بن شهاب باسناده فجعله عن ابي هريرة كما قال كل من رواه كذلك عن مالك وحديث بن شهاب هذا قد اتفق جماعة العلماء على القول به لانهم يوجبون الشفعة للشريك في المبتاع من الدور والارضين وكل ما تاخذه الحدود ويحتمل القسمة من ذلك كله وما كان مثله وانما اختلف العلماء فيما بعد ذلك على ما نذكره ان شاء الله تعالى‏.‏

1381- قال مالك انه بلغه ان سعيد بن المسيب سئل عن الشفعة هل فيها من سنة فقال نعم الشفعة في الدور والارضين ولا تكون الا بين الشركاء‏.‏

1382- مالك انه بلغه عن سليمان بن يسار مثل ذلك وهذا قول مالك والشافعي واصحابه وجمهور فقهاء اهل الحجاز انه لا شفعة الا في المشاع مما تصلح فيه الحدود عند القسمة بين الشركاء قال ابو عمر اجمع العلماء على ان الشفعة في الدور والأرضين والحوانيت والرباع كلها بين الشركاء في المشاع من ذلك كله وانها سنة مجتمع عليها يجب التسليم لها ولم يجمعوا أنها لا تكون الا بين الشركاء لان منهم من اوجبها للجار الملاصق وهم اكثر اهل العراق ومنهم من اوجبها اذا كانت الطريق واحدة ومنهم من اوجبها في كل شيء مشاع بين الشركاء من جميع الاشياء من الحيوان والعروض والاصول كلها وغيرها وهو قول شاذ قاله بعض اهل مكة وروى فيه حديثا منقطعا عن النبي صلى الله عليه وسلم واما السنة المجتمع عليها فعلى ما قال سعيد بن المسيب وعلى ما حكاه مالك انه الامر الذي لا اختلاف فيه عندهم - يعني في المدينة وفيه من الاخبار المنقولة بنقل العدول الاحاد حديث بن شهاب المذكور في هذا الباب وقد أسند ه معمر وجوده ذكر عبد الرزاق وغيره عن معمر انه اخبرهم عن الزهري عن ابي سلمة عن جابر بن عبد الله انه قال ‏(‏انما جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم الشفعة في كل ما لم يقسم فاذا وقعت الحدود ‏(‏1‏)‏ وصرفت الطرق فلا شفعة وكان احمد بن حنبل يقول حديث معمر عن بن شهاب في الشفعة عن ابي سلمة عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم اصح ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم وقال يحيى بن معين مرسل مالك احب الي ذكره ابو زرعة الدمشقي عنهما وذكر عبد الله بن احمد بن حنبل قال سمعت ابي يقول اهل المدينة لا يرون الشفعة الا للشريك على حديث الزهري عن ابي سلمة عن جابر اذا وقعت الحدود فلا شفعة قال ورواه مالك عن الزهري عن سعيد وابي سلمة مرسلا وبه اقول لا ارى الشفعة لغير الشريك لا أراها للجار قال ابو عمر في حديث بن شهاب ما ينفي الشفعة بالجوار فاذا لم تجب الشفعة للشريك اذا قسم وضرب الحدود كان الجار الملاصق لم يقسم ولا ضرب الحدود ابعد من ان يجب ذلك له وفي حديث بن شهاب ايضا ما ينفي الشفعة في كل ما لا يقسم ولا يحتمل قسمة ولا يصلح ان يصرف فيه الحدود وذلك ينفي الشفعة في الحيوان والعروض كلها لانها ليست لموضع الحدود واما قول ابي حنيفة واصحابه والثوري في هذا الباب فقالوا لا شفعة فيما سوى الدور والارضين والشفعة في ذلك مقسوما كان او مشاعا واوجبوا الشفعة للجار بحديث ابي رافع عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال ‏(‏الجار احق بسقبه‏)‏ وهو حديث يرويه جماعة من ائمة اهل الحديث عن ابراهيم بن ميسرة عن عمرو بن الشريد عن ابي رافع عن النبي صلى الله عليه وسلم وحديث بن شهاب يعارضه وهو اصح اسنادا والشفعة عند الكوفين مرتبة واولى الناس بالشفعة عندهم الذي لم يقاسم ثم الشريك المقاسم اذا بقيت له في الطريق شركة ثم الجار الملاصق وانما تجب عندهم الشفعة في الطريق اذا لم يكن الشريك في المشاع وكذلك لا يجب للجار الذي لا شركة له في الطريق الا عند عدم من ذكرنا او عدم ارادته الاخذ بها وحجتهم في اعتبار الشركة في الطريق حديث عبد الملك بن ابي سليمان العرزمي عن عطاء عن جابر ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‏(‏الجار احق بسقبه ينتظر بها اذا كان غائبا اذا كانت طريقهما واحدة‏)‏ وهذا حديث انفرد به عبد الملك بن ابي سليمان العرزمي وهو ثقة وانكره عليه شعبة وقال لو جاء عبد الملك بحديث اخر مثل هذا لاسقطت حديثه وما حدثت عنه بشيء وقال سفيان الثوري عبد الملك بن ابي سليمان اعدل من الميزان قال ابو عمر قد روي مثل قول الكوفيين عن طائفة من التابعين وروي مثل قول الحجازيين عن عمر وعثمان وعمر بن عبد العزيز وغيرهم وهو اصح ما قيل في ذلك من جهة الأثر ومن جهة النظر ايضا لان المشتري لا يجب ان يخرج ماله عن يده بغير طيب نفس منه الا بيقين يجب التسليم له وروى بن عيينة عن عمرو بن دينار عن أبي بكر بن حفص بن عمر بن سعد بن ابي وقاص ان عمر كتب إلى شريح ان اقض بالشفعة للجار فكان يقضي بها وسفيان عن ابراهيم بن ميسرة قال كتب الينا عمر بن عبد العزيز اذا حدت الحدود فلا شفعة قال ابراهيم فذكرت ذلك لطاووس فقال لا الجار احق قال مالك في رجل اشترى شقصا مع قوم في ارض بحيوان عبد او وليدة او ما اشبه ذلك من العروض فجاء الشريك ياخذ بشفعته بعد ذلك فوجد العبد او الوليدة قد هلكا ولم يعلم أحد قدر قيمتهما فيقول المشتري قيمة العبد أو الوليدة مائة دينار ويقول صاحب الشفعة الشريك بل قيمته خمسون دينارا قال مالك يحلف المشتري ان قيمة ما اشترى به مائة دينار ثم ان شاء ان ياخذ صاحب الشفعة اخذ او يترك الا ان ياتي الشفيع ببينة ان قيمة العبد او الوليدة دون ما قال المشتري قال ابو عمر الشفيع طالب اخذ والمشتري مطلوب ماخوذ منه فوجب ان يكون القول قول المشتري مع يمينه لانه مدعى عليه والشفيع مدع ولا بينة له ولو كانت له بينة اخذ بها وعلى هذا القول جمهور الفقهاء وهو قول الشافعي والكوفيين وقد خالف في ذلك بعض التابعين وجعل القول قول الشفيع لوجوب الشفعة له وجعل المشتري مدعيا في الثمن أو قيمته ان كان عرضا لانه اخذ له والقول الاول أولى بالصواب لما ذكرنا وبالله توفيقنا وكذلك لو اختلف المشتري والشفيع في مبلغ الثمن ولم يكن لواحد منهما بينة كان القول قول المشتري لانه المطلوب بالشفعة والماخوذ منه الشقص ولو أقام كل واحد منهما البينة على ما ادعى ففيها قولان للفقهاء ‏(‏احدهما‏)‏ البينة بينة الشفيع ‏(‏والاخرى ‏)‏ البينة بينة المشتري وكذلك لو أقام كل واحد منهما البينة على ما حكاه من ثمن العرض الذي هو للشفعة واما اختلاف أصحاب مالك في هذه المسألة وفي سائر مسائل الشفعة فكثيرة لا يحصى كثرة وفي ‏(‏المدونة‏)‏ قال بن القاسم القول قول المشتري مع يمينه اذا اختلفا في ثمن الشقص وكان قد اتى بما يشبه فان اتي بما لا يشبه واتى الشفيع بما يشبه فالقول قوله مع يمينه ومن اتى منهما ببينة قضي له فان اتيا جميعا بالبينة فان تكافئا في العدالة سقطتا وكان القول قول المشتري فان لم يتكافئا قضي باعدلهما وقال سحنون البينة بينة المشتري لانها زادت علما وروى اشهب عن مالك قال اذا كان المشتري ذا سلطان فالقول قوله في الثمن فلا يمين لان مثله يرغب في الثمن عنده وان لم يكن فارى عليه اليمين وقال اشهب القول قول المشتري مع يمينه اذا ادعى ما لا يشبه فان ادعى ما يشبه فالقول قوله بلا يمين وذكر بن حبيب عن مطرف انه قال القول قول المشتري مع يمينه اذا ادعى ما لا يشبه واتى بالسرف لانه مدعى عليه قال بن حبيب انما يكون القول قول المشتري ما لم يات بالسرف فان اتى بالسرف رد إلى القيمة وخير الشفيع ان شاء اخذ وان شاء ترك قال مالك من وهب شقصا في دار او ارض مشتركة فاثابه الموهوب له بها نقدا او عرضا فان الشركاء ياخذونها بالشفعة ان شاؤوا ويدفعون إلى الموهوب له قيمة مثوبته دنانير او دراهم قال مالك من وهب هبة في دار او ارض مشتركة فلم يثب منها ولم يطلبها فاراد شريكه ان ياخذها بقيمتها فليس ذلك له ما لم يثب عليها فان اثيب فهو للشفيع بقيمة الثواب قال ابو عمر قد كان مالك في صدر من عمره يرى في الهبة الشفعة وان كانت لغير ثواب لانه انتقال ملك ثم رجع عن ذلك ولم ير الهبة لغير ثواب شفعة ذكر ذلك عنه بن عبد الحكم واما الهبة للثواب فهي عنده كالبيع وفيها الشفعة لم يختلف قوله في ذلك ولا قول اصحابه الا انهم اختلفوا فيه لو ان الموهوب له اثاب الواهب باكثر من قيمة الشقص الموهوب فقال بن القاسم لا ياخذه الا بقيمة الثواب كله قال ولهذا يهب الناس من الهبات ولم يذكر قوتا بل قال ذلك مجملا وقال اشهب اذا اتى به اكثر من قيمته قبل ان يدخل الهبة قولان فليس للشفيع ان ياخذه الا بجميع الثواب او شركه وان كان بعد الفوت فله ان يستشفع بقيمة الشقص فقط واما الشافعي فالهبة للثواب عنده باطل مردودة لانها عنده من باب البيع بثمن مجهول وسياتي ذلك في باب الهبات ان شاء الله قال ولا شفعة للشافعي في الهبة للثواب لانه مردود من فعل من فعله واما الكوفيون فيجيزون الهبة للثواب ويضمنونها اتباعا لعمر بن الخطاب وسنذكر ذلك في موضعه - ان شاء الله عز وجل ولكنهم لا يرون الهبة للثواب شفعة لانها عندهم هبة ليست ببيع وكذلك لا شفعة عندهم في صداق ولا اجرة ولا جعل ولا خلع ولا في شيء صولح عليه من دم عمد قال مالك في رجل اشترى شقصا في ارض مشتركة بثمن إلى اجل فاراد الشريك ان ياخذها بالشفعة قال مالك ان كان مليا فله الشفعة بذلك الثمن إلى ذلك الاجل وان كان مخوفا ان لا يؤدي الثمن إلى ذلك الاجل فاذا جاءهم بجميل ملي ثقة مثل الذي اشترى منه الشقص في الارض المشتركة فذلك له قال ابو عمر لم يختلف قول مالك واصحابه في هذه المسالة على ما ذكره في ‏(‏موطئه‏)‏ الا انهم اختلفوا في الذي يشتري شقصا من ربع بثمن إلى اجل فلا يقوم الشفيع حتى يحل الاجل على المشتري فذكر بن حبيب عن بن الماجشون انه قال ياخذها الشفيع ويكون الثمن عليه مؤجلا إلى مثل ذلك الاجل الذي كان على المشتري وقال اصبغ لا ياخذه الشفيع بالشفعة الا بثمن حال واما الشافعي فقال فيما ذكر عنه المزني ان اشترى النصيب من الدار وسائر الرباع والارض بثمن إلى اجل قيل للشفيع ان شئت فعجل الثمن وتعجل الشفعة وان شئت فدع حتى يحل الاجل وقول الكوفيين في ذلك نحو قول الشافعي وذكر عبد الرزاق عن الثوري انه سئل عن رجل باع من رجل ارضا فيها شفعة لرجل إلى اجل فجاء الشفيع فقال انا اخذها إلى اجلها قال لا ياخذها الا بالنقد لانها قد دخلت في ضمان الاول قال سفيان ومنا من يقول يقر في يد الذي ابتاعها فاذا بلغ الاجل اخذها الشفيع قال مالك لا تقطع شفعة الغائب غيبته وان طالت غيبته وليس لذلك عندنا حد تقطع إليه الشفعة قال يحيى قلت لابن القاسم هل ترى الاسكندرية - يعني من مصر - غيبة وهو يبلغه ان صاحبه قد باع فيقيم على ذلك المشتري سنين العشرة ونحوها ثم ياتي بعد ذلك يطلب الشفعة فقال بن القاسم هذه غيبة لا تقطع على المشتري شفعته وان بلغه ذلك فنرى السلطان ان يكتب إلى قاضي البلد الذي هو به ان يوقف ويعلمه شريكه قد باع فاما اخذ واما ترك قال بن القاسم لا ارى ذلك على القاضي الا ان يطلب ذلك المبتاع فيكتب له القاضي الذي بمكانه إلى قاضي البلد بما ثبت عنده من اشترائه وما يطلب من قطع الشفعة عنه فيوقفه فاما اخذ واما ترك فان ترك فلا شفعة له قال قلت لابن القاسم فما ترى القرب الذي يقطع الشفعة قال ما وقت لنا مالك فيه شيئا قد تكون المرأة الضعيفة والرجل الضعيف على البريد فلا يستطع ان ينهض ولا يسافر فلم يحد لنا حدا وانما فيه اجتهاد للسلطان على افضل ما يرى قال ابو عمر اما شفعة الغائب فان اهل العلم مجمعون على انه اذا لم يعلم ببيع الحصة التي هو فيها شريك من الدور والارضين ثم قدم فعلم فله الشفعة مع طول مدة غيبته واختلفوا اذا علم في حال الغيبة فقال منهم قائلون لم يشهد حين علم انه اخذ بالشفعة متى قدم فلا شفعة له لانه تارك لها وقال اخرون هو على شفعته ابدا حتى يقدم ولم يذكروا اشهادا واما القول في أمد شفعة الحاضر العاجل فياتي في اخر كتاب الشفعة حيث رسمه مالك ان شاء الله عز وجل وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث جابر وقد ذكرنا فيما تقدم ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‏(‏الجار احق بسقبه‏)‏ او قال ‏(‏بشفعته ينتظر بها اذا كان غائبا‏)‏ روى عبد الرزاق وغيره عن الثوري عن سليمان الشيباني عن حميد الازرق قال مضى عمر بن عبد العزيز بالشفعة بعد أربع عشرة سنة يعني للغائب قال مالك في الرجل يورث الأرض نفرا من ولده ثم يولد لأحد النفر ثم يهلك الأب فيبيع احد ولد الميت حقه في تلك الارض فان اخا البائع احق بشفعته من عمومته شركاء ابيه قال مالك وهذا الامر عندنا قال ابو عمر اختلف اصحاب مالك وسائر الفقهاء في ميراث الشفعة وهل تورث او لا تورث وفي كيفية الشفعة بين الورثة هل هي للكبير كالولاء وهل تدخل العصبة فيها على ذوي الفروض او يدخل بعض اهل السهام فيها على بعض فاما ميراث الشفعة فذهب الثوري وسائر الكوفيين إلى انها لا توهب ولا تورث لانها لا ملكه ولا ماله واما مالك والشافعي وسائر اهل الحجاز فانهم يرون الشفعة موروثة لانها حق من حقوق الميت يرثه عنه ورثته واما الشفعة بين ذوي السهام في الميراث فالمشهور من مذهب مالك عند اصحابه معنى ما ذكره في ‏(‏الموطا‏)‏ ان اهل السهم الواحد احق بالشفعة فيه من غيرهم من الشركاء في سائر الميراث وانه لا يدخل العصبات على ذوي السهام في الشفعة وان ذوي السهام يدخلون على العصبات فيها واختلف اصحابه فقال بن القاسم بما وصفت لك وقال اشهب لا يدخل ذوو السهام على العصبات ولا يدخل العصبات على ذوي السهام لا يدخل هؤلاء على هؤلاء ولا هؤلاء على هؤلاء ولا يتشافع اهل السهم فيما بينهم خاصة وقال المغيرة المخزومي يدخل العصبات على ذوي السهام وذوو السهام على العصبات لانهم كلهم شركاء وقول الشافعي في ذلك كقول المغيرة وقول الكوفيين كقول اشهب مثال ذلك رجل توفي على ابنتين واختين ورثن عنه ارضا او دارا فباعت بعضهن حصتها منها فقال بن القاسم تدخل البنات على الاخوات ولا تدخل الاخوات على البنات لانهن ها هنا عصبة البنات وقال اشهب لا تدخل الابنة على الاخت كما لا تدخل الاخت عليها وذكر المزني عن الشافعي في هذه المسالة قولين قال ولو ورثه رجلان فمات احدهما وله ابنان فباع احدهما نصيبه واراد اخذ الشفعة دون عمه فكلاهما في الشفعة سواء لانهما فيه شريكان قال المزني هذا اصح من قوله الاخر ان اخاه احق بنصيبه قال ولم يختلف قوله في المعنيين لنصفين من عبد لاحدهما اكثر من الاخر في ان عليهما قيمة الباقي على السواء ان كانا موسرين قال ابو عمر ليس هذا القياس يصح في مسالته هذه لان الشركاء في سهم قد حصلوا شركاء في الشقص وشركاء في ‏(‏السهم‏)‏ فكانوا اولى ممن هو شريك في الشقص خاصة لانهم كانوا ادلوا بسببين وكانوا اولى ممن هو اولى بسبب واحد وليس الشريكان يكون نصيب احدهما من العبد اكثر من نصيب صاحبه في مسالة الشفعة في شيء والحجة عندي لما اختاره المزني من قول الشافعي ان الشفعة اوجبها رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الشركاء ولم يخص شريكا من شريك فكل شريك في الشقص يستحق الشفعة بعموم السنة وظاهر المعنى - والله اعلم قال مالك الشفعة بين الشركاء على قدر حصصهم ياخذ كل انسان منهم بقدر نصيبه ان كان قليلا فقليلا وان كان كثيرا فبقدره وذلك ان تشاحوا فيها قال ابو عمر قد اختلف السلف والخلف في هذه المسالة على قولين ‏(‏احدهما‏)‏ ان الشفعة بالحصص مثال ذلك دار بين ثلاثة رجال لاحدهم نصفها وللاخر ثلثها وللاخر سدسها فباع صاحب النصف نصفه ووجب لشريكه الشفعة فياخذ صاحب الثلث الثلثين وصاحب السدس الثلث وهذا قول مالك واصحابه وجماعة من السلف منهم شريح القاضي وعطاء وبن سيرين ثلاثة ائمة من ثلاثة امصار وهو قول جمهور اهل المدينة ‏(‏القول الثاني‏)‏ ان الشفعة على الرؤوس وان صاحب النصف الصغير والكبير فيها سواء وبه قال الكوفيون وهو قول الشعبي وابراهيم والحكم وسياتي اختلافهم في اجرة القسام هل هي على الرؤوس او على السهام في موضعه من الاقضية ان شاء الله تعالى قال مالك فاما ان يشتري رجل من رجل من شركائه حقه فيقول احد الشركاء انا اخذ من الشفعة بقدر حصتي ويقول المشتري ان شئت ان تاخذ الشفعة كلها اسلمتها اليك وإن شئت ان تدع فدع فان المشتري اذا خيره في هذا واسلمه إليه فليس للشفيع الا ان ياخذ الشفعة كلها او يسلمها إليه فان اخذها فهو احق بها والا فلا شيء له قال ابو عمر على نحو هذا مذهب الشافعي ايضا ذكره المزني عنه قال فان حضر احد الشفعاء اخذ الكل بجميع الثمن فان حضر الثاني اخذ منه النصف بنصف الثمن فان حضر الثالث اخذ منه الثلث بثمن الثلث حتى يكونوا سواء فان كانوا اثنين اقتسما كان للثالث نقص قسمتها وان اسلم بعضهم لم يكن لبعض الا اخذ الكل او الترك قال وكذلك لو اصابها هدم من السماء اما اخذ الكل بالثمن كله واما ترك وقال ابو حنيفة وابو يوسف ومحمد لو اشترى رجل دارا من رجلين فقبضها او لم يقبضها صفقة واحدة واراد الشفيع ان ياخذ ما باع احدهما دون ما باع الاخر فليس ذلك للاخر وانما له ان ياخذها كلها او يدعها كلها وان كان الذي ابتاع الدار رجلين كان للشفيع ان ياخذ ما باع ويدع ما ابتاع الاخر قالوا ومن اشترى دارين صفقة واحدة من رجلين ولهما شفيع واحد فاراد الشفيع ان ياخذ احداهما دون الاخرى فليس له ذلك واختلف اصحاب مالك في هذه المسائل ايضا فقال بن القاسم في ثلاثة شركاء في ارض او دار باع الاثنان منهما نصيبهما صفقة واحدة من رجلين انه ليس للثالث الشفيع الا ان ياخذ الجميع او يدع وقال اشهب ياخذ من ايهما شاء وقال بن القاسم اذا وجبت الشفعة لرجلين فسلم احدهما فليس للاخر الا ان ياخذ الجميع او يدع وروي ذلك عن مالك وعليه اكثر اصحابه وذكر بن حبيب عن اصبغ انه قال ان كان تركه وتسليمه رفقا بالمشتري وتجافيا له كانه وهبه شفعته فلا ياخذ الاخر حصته فلو كان المشتري رجلين فاراد الشفيع ان ياخذ حصة احدهما فابن القاسم قال ليس له ان ياخذ الا حصتهما جميعا او يتركهما جميعا اذا طلبت صفقة واحدة وقال اشهب له ان ياخذ من احدهما ويدع الاخر وقال المزني فيما اجاز فيه من المسائل على معنى قول الشافعي ولو ان رجلين باعا من رجل شقصا فقال الشفيع انا اخذ ما باع فلان وادع حصة فلان فذلك جائز في قياس قوله قال وكذلك لو اشترى رجلان من رجل شقصا كان للشفيع ان ياخذ حصته ايهما شاء قال المزني ولو اشترى شقصا وهو شفيع فجاء شفيع اخر فقال له المشتري خذها كلها بالثمن او دع فقال هو بل اخذ نصفها فان ذلك له لانه مثله وليس عليه ان يلزم شفعة غيره قال مالك في الرجل يشتري الارض فيعمرها بالاصل يضعه فيها او البئر يحفرها ثم ياتي رجل فيدرك فيها حقا فيريد ان ياخذها بالشفعة انه لا شفعة له فيها الا ان يعطيه قيمة ما عمر فان اعطاه قيمة ما عمر كان احق بالشفعة والا فلا حق له فيها قال ابو عمر القيمة عند مالك واصحابه في البنيان قائما لانه بنى في ملكه وحقه لان المشتري يملك ما اشترى وان كان فيه شفعة اخبره فان الاخذ بالشفعة ليس بلازم للشفيع وهو بالخيار - ان شاء شفع وان شاء لم يشفع فكانه اذا شفع بيع حادث وعهدته على المشتري واما الشافعي فمذهبه ان الباني متعد ببنيانه فيما فيه للشفيع الشفعة فليس له الا قيمة بنيانه معلوما - ان شاء الشفيع او ياخذه بنصفه وكذلك لو قسم بغير حكم حاكم وبنى في نصيبه فهو متعد فان قضى الحاكم بالقسمة وحكم بها لما ثبت ما يوجب ذ لك واقام للغائب وكيلا في القسمة فقسم وقبض المشتري حصته وبنى فيها فهو حينئذ غير متعد فان استحق الشفيع الحصة مشاعة لم يمنعه قضاء القاضي شفعته لان الغائب على شفعته ابدا الا ان يعلم فيترك فان علم فلا شفعة له ان ترك الطلب بعد العلم قادرا على الطلب وان لم يعلم شفع اذا قدم ان شاء واعطى المشتري قيمة الشقص وقيمة البنيان تاما لانه بنى في غير اعتداء واما الكوفيون فذكر الطحاوي عنهم قال ومن اشترى دارا وقبضها فبنى فيها بناء ثم حضر شفيعها فطلب اخذها بالشفعة فقضى له بذلك فيها فانه يقال للمشتري انقض بناءك لانك بنيته فما كان الشفيع اولى بها منك الا ان يشاء الشفيع ان يمنعه من ذلك ويعطيه قيمة بنيانه منقوضا فيكون ذلك له فهذا قول ابي حنيفة ومحمد بن الحسن وهو الصحيح عن ابي يوسف قال وبه قال احمد وقد روي عن ابي يوسف انه قال ان شاء الشفيع اخذها بالثمن الذي باعها به وبقيمة البناء قائما وان شاء ترك ليس له غير ذلك قال مالك من باع حصته من أرض او دار مشتركه فلما علم ان صاحب الشفعة يأخذ بالشفعة استقال المشتري فأقاله قال ليس ذلك له والشفيع احق بها بالثمن الذي كان باعها به قال أبو عمر والشفعة تجب بالبيع لمن ارادها وطلبها واجمعوا انه ليس للمشتري ان يمتنع من ذلك ولا البائع فالاقالة لا نقطعها عمن جعلها بيعا مستأنفا وعمن يجعلها فسخ بيع لان في فسخ البيع فسخا للشفعة والشفعة واجبة بالسنة وقياس قول الشافعي والكوفيين وجوب الشفعة لا تنقضها الاقالة وقد اختلف قول بن القاسم واشهب في عهده الشفيع في الاقالة فقال بن القاسم عهدة الشفيع على المشتري وقال اشهب الشفيع مخير فان شاء اخذ الشفعة بعهده البيع الاول وان شاء بعهده الاقالة قال مالك من اشترى شقصا في دار او ارض وحيوانا وعروضا في صفقة واحدة فطلب الشفيع شفعته في الدار او الارض فقال المشتري خذ ما اشتريت جميعا فاني انما اشتريته جميعا قال مالك بل يأخذ الشفيع شفعته في الدار او الارض بحصتها من ذلك الثمن يقام كل شيء اشتراه من ذلك على حدته على الثمن الذي اشتراه به ثم يأخذ الشفيع شفعته بالذي يصيبها من القيمة من راس الثمن ولا يأخذ من الحيوان والعروض شيئا الا ان يشاء ذلك قال ابو عمر على ما قاله مالك في هذه المسألة اكثر الفقهاء قال الشافعي ولو كان مع الشقص الذي فيه الشفعة عرض في صفقة واحدة بثمن واحد فانه يشفع في الشقص بحصته من الثمن وهو قول الكوفيين وذكر عبد الرزاق قال سألت معمرا عن رجلين بينهما خربة لم تقسم فباع احدهما نصيبه منها مع خربه له اخرى بثمن واحد فجاء الشفيع فقال انا اخذ نصيبه من الخربة التي بيني وبينه فقال قال عثمان البتي يأخذ البيع جميعا يتركه جميعا وقال بن شبرمة وغيره من اهل الكوفة يأخذ نصف الخربة التي بينه وبين صاحبه بالقيمة ويترك الاخرى ان شاء قال عبد الرزاق وسمعت الثوري وسفيان يقولان مثل قول بن شبرمه قال مالك ومن باع شقصا من ارض مشتركة فسلم بعض من له فيها الشفعة للبائع وابى بعضهم الا ان يأخذ بشفعته ان من ابى أن يسلم يأخذ بالشفعة كلها وليس له ان يأخذ بقدر حقه ويترك ما بقي قال مالك في نفر شركاء في دار واحدة فباع احدهم حصته وشركاؤه غيب كلهم الا رجلا فعرض على الحاضر ان يأخذ بالشفعة او يترك فقال انا اخذ بحصتي واترك حصص شركائي حتى يقدموا فان اخذوا فذلك وان تركوا اخذت جميع الشفعة قال مالك ليس له الا ان يأخذ ذلك كله او يترك فان جاء شركاؤه اخذوا منه او تركوا ان شاؤوا فاذا عرض هذا عليه فلم يقبله فلا ارى له شفعة قال ابو عمر قد مضى هذا المعنى وما فيه لسائر العلماء وانما هم في هاتين المسألتين على قولين احدهما ما ذكر مالك - رحمه الله والاخر ان له أن يأخذ بحصته ويدع حصه شركائه فان جاؤوا كانوا على شفعتهم ان شاؤوا وقد تقدم ذكر ذلك فلا وجه لاعادته‏.‏

باب مالا تقع فيه الشفعة

1383- مالك عن محمد بن عمارة عن ابي بكر بن حزم ان عثمان بن عفان قال اذا وقعت الحدود في الارض فلا شفعة فيها ولا شفعة في بئر ولا في فحل النخل قال مالك وعلى هذا الامر عندنا قال مالك ولا شفعة في طريق صلح القسم فيها او لم يصلح قال مالك والامر عندنا انه لا شفعة في عرصه دار صلح القسم فيها او لم يصلح قال ابو عمر اما قول عثمان اذا وقعت الحدود في الارض فلا شفعة فيها فانه ينفي الشفعة في ذلك للجار وقد تقدم القول في ذلك عند حديث النبي صلى الله عليه وسلم ‏(‏الشفعة فيما لم يقسم فاذا وقعت الحدود في الارض فلا شفعة ولا وجه لتكرار ما تقدم‏.‏

وأما قوله ولا شفعة في بئر ولا في فحل نخل فذكر بن عبد الحكم عن مالك قال الحديث الذي جاء لا شفعة في بئر انما ذلك في بئر الاعراب فأما بئر الزرع والنخل ففي ذلك الشفعة اذا كان النخل لم يقسم فان قسم الحائط وترك البئر فلا شفعة فيها وكذلك اذا قسمت بيوت الدار وكذلك اذا قسم الحائط وترك الفحل والفحلان للابار واكل الطلع انه لا شفعة فيها وكذلك إذا قسمت بيوت الدار وتركت العرصه للارتفاق فباع احد الشركاء نصيبه فيها فلا شفعة في ذلك قال ابو عمر يريد بقوله بئر الاعراب البئر التي في موات الارض لسقي الماشية والمسقاة ليست بئرا يسقى بها شيء من الارض والشجر وذكار الشجر حكمه عند مالك واصحابه كحكم النخل وحكم العين عندهم كحكم البئر عندهم سواء ان كان لها بياض وزرع ونخل وبيع ذلك كله بيعا فيه شفعة دخلت العين في ذلك والبئر فاذا انفردت العين او البئر بين الشركاء فلا شفعة فيها اذا باع أحدهم نصيبة منها وكذلك حكم الطرق والمرافق المتروكة للارتفاق لا شفعة فيها الا ان تكون بيعا لما فيه شفعة من الارض وتجمعها صفقة واما الشافعي فانه قال لا شفعة في بئر لا بياض لها وكذلك اذا كان لها بياض ولا تحتمل القسمة ولا شفعة عنده إلا فيما تحتمله القسمة وتضرب فيه الحدود ولا شفعة عنده في طريق وانما العرصة اذا احتملت القسمة وبيع منها شيء ففيه الشفعة عنده خلاف قول مالك وسواء تركت للارتفاق او لم تترك وانما اصله ان كل ما كان من الارضين يحتمل القسمة وضرب الحدود وكان مشاعا ففيه الشفعة واما الكوفيون فالقياس على اصولهم الا شفعة في بئر ولا فحل نخل واما العرصة فقياسهم ان فيها الشفعة لانها من الارض المحتملة للقسمة واختلف اصحاب مالك في النخلة المطعمة تكون بين الشريكين يبيع احدهما حصته منها فذكر بن القاسم عن مالك في ‏(‏المدونة‏)‏ انه لا شفعة فيها قال ابو عمر قاسها على فحل النخل والله اعلم وقال اشهب وعبد الملك بن الماجشون واصبغ بن الفرج ومحمد بن عبد الحكم فيها الشفعة ذكرا كان او انثى قال ابو عمر حجتهم في ايجاب الشفعة ان النخلة عندهم من جنس ما فيه الشفعة ولم يختلفوا في الحائط المثمر من الشجر وان لم يكن فيه موضع لزراعة وكان مشاعا ان الشفعة فيما بيع منه وحكم النخلة الواحدة عندهم كحكم الحائط كله واختلفوا في هذا الباب في اشياء منها الرحا ففي ‏(‏المدونة‏)‏ قال بن القاسم الشفعة في الارض ولا شفعة في الرحا كما ان بيعت منفردة دون شيء من الارض لم تكن فيها شفعة وروى أبو زيد عن بن القاسم مثل ذلك وقال يقضي الثمن على الارض والرحى وذكر انه كالشقص يباع مع عبد وقال اشهب للشريك الشفعة في جميع ذلك وقال الا ترى ان الشفعة تكون في رقيق الحائط فكيف بالرحى مع الارض وبقول اشهب قال سحنون واختلفوا من ذلك في الاندر احد الشركاء نصيبه منه فذكر العتبي عن عبد الملك بن الحسن عن اشهب وبن وهب ان فيه الشفعة وهو كغيره من الارضين وقال اشهب لا شفعة في الاندر وكذلك الاقبية لا شفعة فيها اذا بيعت قال والاندر عندي مثل الأقبية واختلفوا من ذلك ايضا في الحمام فقال مالك فيه الشفعة وقال بن القاسم لا شفعة فيه وقال إسماعيل بن إسحاق روى بن القاسم وبن ابي اويس عن مالك ان فيه الشفعة قال وذكر احمد بن المعذل عن عبد الملك عن مالك انه لا شفعة فيه قال عبد الملك وانا ارى فيه الشفعة قال إسماعيل وروى بن القاسم ان الحمام يقسم قال ابو عمر كان احمد بن خالد ومحمد بن عمرو بن لبانة يفتيان في الحمام واختلفوا في الثمرة تباع منفردة دون الاصل فقال مالك وبن القاسم واشهب فيها الشفعة لانها تقسم بالحدود قال ابو عمر على ما ذكرنا من مذاهبهم في قسمة الثمار في رؤوس الاشجار وروى ابو جعفر الدمياطي وعبد الملك انهما كانا لا يريان فيها الشفعة واختلفوا ايضا في الشفعة في الكراء او الدور والرباع والارضين وفي المساقاة وفي الدين هل يكون المديان احق بها وقد ذكرنا ذلك كله في كتاب اختلافهم وحديث بن شهاب ينفي الشفعة ويسقطها الا في المشاع من الارضين والرباع حيث يمكن ضرب الحدود وتصريف الطرق وهذا هو الصحيح وبالله التوفيق قال مالك في رجل اشترى شقصا من ارض مشتركة على انه فيها بالخيار فاراد شركاء البائع ان يأخذوا ما باع شريكهم بالشفعة قبل ان يختار المشتري ان ذلك لا يكون لهم حتى يأخذ المشتري ويثبت له البيع فاذا وجب له البيع فلهم الشفعة قال ابو عمر لا فرق عند مالك في هذه المسألة كان البائع بالخيار او كان المشتري ولا اعلم خلافا بين الفقهاء انه اذا كان الخيار للبائع ان الشفعة لا تجب للشفيع حتى تنقضي ايام الخيار ويصير الشقص إلى المشتري فحينئذ يشفع الشفيع ان اراد لا قبل ذلك واختلفوا فيما اذا كان الخيار للمشتري خاصة فقال الشافعي ومن اشترى شقصا على انها جميعا بالخيار او البائع بالخيار فلا شفعة حتى يسلم البائع وان كان الخيار للمشتري دون البائع فقد خرج الشقص المبيع من ملك البائع ففيه الشفعة وعلى هذا ايضا مذهب الكوفيين ذكر الطحاوي عنهم قال من باع دارا من رجل على انه بالخيار في بيعها اياما ثلاثة لم يكن للشفيع اخذها بالشفعة حتى ينقطع الخيار فيجوز البيع فيها وان لم يكن البائع بالخيار فيها ثلاثة ايام كان للشفيع اخذها بالشفعة وكان اخذه اياها قطعا بخيار المشتري وامضى البيع فيها واختلف اصحاب مالك في الشريك يبيع نصيبه من دار له فيها شركاء بالخيار ثم بيع بعض اشراكه نصيبه بيعا بتلا ففي ‏(‏المدونة‏)‏ ان قبل المشتري فالسلعة للبائع بالخيار وقال سحنون الشفعة في المبيع بالخيار للمشتري بعد ذلك بثلاث وقال ابو إسحاق البرقي وعبد الله بن الحكم حكم الشفعة في الشقص المبيع بتلا للبائع بالخيار لان الشقص كان له ومنه ضمانة فان سلم فللمشتري ولا تبالي لمن كان الخيار منهما وبهذا القول يقول بن الماجشون واشهب‏.‏

وقال مالك في الرجل يشتري ارضا فتمكث في يديه حينا ثم يأتي رجل فيدرك فيها حقا بميراث ان له الشفعة ان ثبت حقه وان ما اغلت الارض من غلة فهي للمشتري الاول إلى يوم يثبت حق الاخر لانه قد كان ضمنها لو هلك ما كان فيها من غراس او ذهب به سيل قال فان طال الزمان او هلك الشهود او مات البائع او المشتري او هما حيان فنسي اصل البيع والاشتراء لطول الزمان فان الشفعة تنقطع ويأخذ حقه الذي ثبت له وان كان امره على غير هذا الوجه في حداثة العهد وقربه وانه يرى ان البائع غيب الثمن واخفاه ليقطع بذلك حق صاحب الشفعة قومت الارض على قدر ما يرى انه ثمنها فيصير ثمنها إلى ذلك ثم ينظر إلى ما زاد في الارض من بناء او غراس او عمارة فيكون على ما يكون عليه من ابتاع الارض بثمن معلوم ثم بنى فيها وغرس ثم اخذها صاحب الشفعة بعد ذلك قال ابو عمر اما قوله في المستحق بميراث نصيبا في ارض ان له الشفعة فان الخلاف في ذلك قديم فمن اوجب الشفعة له زعم انه كان حقا له ما اظهره شهوده فصار بمنزلة شريك ظاهر الملك في ذلك وكذلك المستحق باع شريكه نصيبه في ارض مشاعة بينهما فلا خلاف ان له الشفعة في ذلك وكذلك المستحق لانه بتقدم ملكه استحق ما استحق ومن قال لا شفعة له زعم ان المستحق انما يثبت له الملك يوم استحق فلا شفعة له فيما كان له قبل ذلك الا ترى انه لا يأخذ الغلة من المشتري ولا من البائع الجاحد له وكذلك لو استحق العبد حرية على مولاه والمولى جاحد لها فلما قامت للعبد بينة بالحرية قضي له بها ولم يلزم المولى خراجه وقيمة خدمته لانه جاحد لما شهد به الشهود وانما تجب شهادتهم حكما ظاهرا من يوم شهدوا وحكم الحاكم بشهادتهم والقائلون بالقول الاول يوجبون للمستحق الخراج او الغلة فيما يستحقه ويأتي القول في ذلك في موضعه ان شاء الله واما قوله فان طال الزمان او هلك الشهود أو مات البائع او المشتري إلى اخر كلامه في الفصل فان طول الزمان لمن كان غائبا وقامت بينته بما يوجب له الشفعة وقد مضى القول في شفعة الغائب وما قاله مالك وغيره في ذلك والخلاف فيه كلا خلاف واما هلاك الشهود فلا يخلو من ان يكونوا شهودا على البيع فهلكوا او المشتري والبائع يتجاحدان ولا بينة هناك فلا شفعة في ذلك ان يكون الشهود على مبلغ الثمن هلكوا فالقول قول المشتري وان خالفه الشفيع وقد مضت هذه المسالة ايضا بخلافها وكذلك موت البائع والمشتري لمن كان له القيام بالشفعة لا يضر قال مالك في هذا الموضع من ‏(‏الموطا‏)‏ والشفعة ثابتة في مال الميت كما هي في مال الحي وقد تقدم القول في هل تورث الشفعة وذكرنا الاختلاف في ذلك وقال احمد بن حنبل وغيره الشفعة لا تورث الا ان يكون الميت طالبا لها قال ابو عمر الشفعة تورث عند كل من يورث عنده الخيار في البيع ومن لا يورث عنده الخيار فقد تورث عنده الشفعة وقد مضى ذلك في كتاب البيوع واما قوله في المشتري والبائع او هما حيان فليبتني اصل البيع والاشتراء لطول الزمان فان الشفعة تنقطع وياخذ يعني المستحق - حقه الذي ثبت له فقط فقد ذكرنا ان اهل العلم منهم من لا يرى للمستحق شفعة ومنهم من راها على ما وصفنا وهم في هذه المسالة على قولين احدهما انه يشفع بقيمة الشقص كما لو جهلا الثمن بحداثة الوقت سواء وكان مالك ومن تابعه لا يرون الشفعة عند جهل الثمن اذا طال الزمان ونسي البيع ويرونها واجبة في حداثة العهد وقوله او لما يرى ان البائع غيب ذكر الثمن واخفاء ليقطع بذلك حق صاحب الشفعة فحينئذ يرون الشفعة في الشقص بقيمته على ما في ‏(‏الموطا‏)‏ وقال به جماعة من اصحابه وذكر بن عبدوس عن بن الماجشون قال اذا مات المشتري واتى الشفيع يطلب من ورثته الشفعة مع طول الزمان وقد جهل الثمن حلف الورثة ما عندهم علم ولم تكن شفعة قال ولو ان المشتري قال لا ادري بكم اشتريت حلف وشفع بالقيمة قال فان ابى ان يحلف فقد مضت من اصحابنا فيه قضية انه ياخذها الشفيع ثم يقول للمشتري اطلب حقك ممن شئت او تحلف فتاخذ منه قيمة الشقص فان قال الشفيع لا اقبضه لعل ثمنه يكون كثيرا ولا يقدر على ثمنه فلا بد حينئذ ان يحلف او يسجن واما قوله والشفعة ثابتة في مال الميت فهي في مال الحي فان خشي اهل الميت ان ينكسر مال الميت قسموه ثم باعوه فليس عليهم فيه شفعة فقد تقدم القول في وراثة الشفعة وفي ان كل مقسوم لا شفعة فيه عند من لا يقول بالشفعة للجار او من اجل الاشتراك في الطريق قال مالك ولا شفعة عندنا في عبد ولا وليدة ولا بعير ولا بقرة ولا شاة ولا في شيء من الحيوان ولا في ثوب ولا في بئر ليس لها بياض انما الشفعة فيما يصلح انه ينقسم وتقع فيه الحدود من الارض فاما ما لا يصلح فيه القسم فلا شفعة فيه قال ابو عمر على هذا مذهب الشافعي والكوفيين وقد تقدم ذلك كله والحجة له والحمد لله كثيرا وقد شذت طائفة فاوجبت الشفعة في كل شيء وروت روايات في ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم منها ما ذكره عبد الرزاق قال اخبرنا اسرائيل عن عبد العزيز بن رفيع عن بن ابي مليكة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏(‏الشريك شفيع في كل شيء اخبرنا احمد بن عبد الله قال حدثني ابي قال حدثني عبد الله بن يونس قال حدثني بقي بن مخلد قال حدثني ابو بكر بن ابي شيبة قال حدثني ابو بكر بن عياش قال حدثني عبد العزيز بن رفيع عن بن ابي مليكة قال قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشفعة في كل شيء في الارض والدار والدابة فقال عطاء انما الشفعة في الارض والدار وقال بن ابي مليكة سمعتني - لا ام لك - اقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقول هذا قال ابو عمر هذا الحديث مرسل وليس له اسناد غير هذا فيما علمت ومن قال بمراسيل الثقات لزمه القول به واما من جهة النظر فالمشتري مالك لما اشترى فلا يخرج ملكه عن يده الا بكتاب او سنة ثابتة او اجماع ولا اجماع في هذا بل الاكثر على خلافه في هذا الحديث ذكر عبد الرزاق قال اخبرنا معمر قال قلت لايوب اتعلم احدا كان يجعل في الحيوان شفعة قال لا قال معمر ولا اعلم احدا جعل في الحيوان شفعة قال واخبرنا بن سمعان عن بن شهاب عن بن المسيب قال ليس في الحيوان شفعة قال واخبرنا ابو حنيفة عن حماد قال لا شفعة الا في ذلك دار او ارض قال واخبرنا اسرائيل عن عبد العزيز بن رفيع عن عطاء بن ابي رباح قال لا شفعة الا في الارض قال واخبرنا معمر عن بن شبرمة قال في الماء الشفعة قال معمر ولم يعجبني ما قال قال ابو عمر قد راى قوم من العلماء الشفعة في الدين وفي المكاتب يباع ما عليه فقالوا المديان والمكاتب اولى بذلك اذا اعطى المشتري ما ارى ذكر عبد الرزاق قال اخبرنا معمر عن الزهري قال لم ار القضاة الا يقضون فيمن اشترى دينا على رجل فصاحب الدين اولى به قال واخبرنا معمر عن رجل من قريش ان عمر بن عبد العزيز قضى في مكاتب اشترى ما عليه بعرض فجعل المكاتب اولى بنفسه وقال ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‏(‏من ابتاع دينا على رجل فصاحب الدين اولى اذا ادى مثل الذي ادى صاحبه قال‏.‏

وحدثني الاسلمي قال اخبرني عبد الله بن ابي بكر عن عمر بن عبد العزيز ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بالشفعة في الدين وهو الرجل يبيع دينا له على رجل فيكون صاحب الدين احق به واختلف اصحاب مالك في ذلك فقال بن القاسم لا شفعة في الدين ولا يكون المديان احق به وقال اشهب هو احق به بالضرر الداخل عليه وياخذه بقيمة العرض ان كان الثمن عرضا او بمثل العين ان كان عينا كالمكاتب وانما ذلك في المكاتب لحرمة العتق الا ترى ان التقويم والاستهام يجب على الشريك اذا اعتق نصيبه وان العتق بيد اعلى سائر الوصايا قال فان قال قائل ان البائع ممن دخل مدخله كالشريكين في العبد باع شريك ودخل شريك قيل له ان العبد المشترك فيه ان راى الشريك ما يضره دعا شريكه إلى البيع معه وليس كذلك الدين قال ابو عمر قد ذكرنا ان الاصل المجتمع عليه انه لا يحل مال امرئ مسلم الا عن طيب نفس وان التجارة لا تجوز الا عن تراض فلا يخص منها في الاصل شيء الا بمثله من الاصول التي يجب التسليم لها وحديث الشفعة للشريك في الدور والارضين حديث متفق على القول والعمل به وسائر ما اختلف فيه وليس في الاختلاف حجة فالواجب الوقوف عند اليقين ولا يخرج عنه الا بيقين مثله وبالله التوفيق قال مالك ومن اشترى ارضا فيها شفعة لناس حضور فليرفعهم إلى السلطان فاما ان يستحقوا واما ان يسلم له السلطان فان تركهم فلم يرفع امرهم إلى السلطان وقد علموا باشترائه فتركوا ذلك حتى طال زمانه ثم جاؤوا يطلبون شفعتهم فلا ارى ذلك لهم قال ابو عمر هذا قول مجمل الا ان ظاهره يدل على ان ما قرب من الامد لطالب الشفعة لم يضره قعوده عن الطلب اذا قام فيما لم يطل من الزمان فان طال فلا قيام له ولم يحد في الطول حدا ولا وقت في ‏(‏موطئه‏)‏ وقتا وقد اختلفت الرواية عنه في ذلك واصحابه فروى بن القاسم عنه السنة ليست بالكثير وهو على حقه وقال مرة اخرى السنة ونحوها وروى اشهب عن الثقات عن مالك انه قال للحاضر تنقطع بمرور السنة وروى بن الماجشون عن مالك ان الخمسة الاعوام ليست بكثير ولا يقطع الشفعة الا الطول وذكر بن حبيب عن مطرف وبن الماجشون انهما استنكرا ان يحد مالك في الشفعة سنة وقالوا ربما سمعنا مالكا يسال عن الحاضر يقوم على شفعته بعد الخمس سنين وربما قيل له اكثر من ذلك فيقول في ذلك كله لا ارى في ذلك طولا ما لم يحدث المبتاع بنيانا او هدما او تغييرا ببناء والشفيع حاضر فان كان ذلك ولم يقم في شفعته في الحين او يحدثان ذلك فلا قيام له لان هذا مما يقطع شفعته وقد تقصيت اختلافهم في اختلاف قول مالك واصحابه وهذا الاختلاف انما هو ما لم يوقف المشتري الشفيع عند الحاكم فان وقفه لياخذ او ليترك فان ترك لم يكن له قيام بعد وان اخذ اجل بالمال ثلاثة ايام وقال بن الماجشون عشرة ايام ونحوها وقال اصبغ يؤخذ بالمال على قدر قلة المال وكثرته وعلى قدر عسره ويسره ويقضي ذلك شهر ثم لا يدري ما وراء ذلك‏.‏

وقال الشافعي للشفيع الشفعة بالثمن الذي وقع به البيع فان فضلت مكانه فهو له وان امكنه الطلب فلم يطلب بطلت شفعته وان علا فاخذ الطلب فان كان له عذر من حبس او غيره فهو على شفعته يعني وان لم يكن له عذر نافع فلا قيام له وقال ابو حنيفة وابو يوسف ومحمد اذا وقع البيع فيما تجب فيه الشفعة فعلم بذلك الشفيع فان اشهد مكانه انه على شفعته والا بطلت شفعته وسواء احضر عند ذلك مالا او ثمن البيع او لم يحضر وقد روي عن محمد بن الحسن انه قال ينبغي ان يكون الاشهاد بمحضر مطلوب بالشفعة او بحضرة المبيع المشفوع فيه قال ابو عمر لا معنى لاشهاد الحاضر على الطلب الا ان يشهد طلابه وطلبه بذلك واما اذا تراخى بذلك وطال فلا شفعة له لان تركه للطلب به اختيار منه لاسقاط الشفعة وذلك ضرب من ركوب الدابة وتسخيرها ووطء الجارية بعد الاطلاع على العيب وانما الاشهاد عندي معتبر في الغائب الذي يبلغه خبر شفعته فيشهد على انه مختار للطلب اذا قدم وبلغ موضع الطلب ينفعه اشهاده ولا يضره علمه بماله من الشفعة لموضع غيبته ومن اهل العلم من اصحابنا وغيرهم من لا يرى على الغائب اشهادا ولا يمينا فانه لم يترك اذا علم وقال محمد بن الحسن اذا قضى القاضي بالشفعة كان للمقضى عليه بها احتباس المشفوع فيه حتى يدفع إليه ثمنه وقد روي عن محمد بن الحسن انه قال لا يقضي القاضي بالشفعة للشفيع حتى يحضره مثل الجزء الذي وجبت له به الشفعة وهو اختيار الطحاوي واختلف اصحاب مالك وغيرهم فيمن وجبت له شفعة فباع الشقص الذي من اجله بدفع قبل ان ياخذ بالشفعة فذكر اشهب عن مالك ان قوله اختلف في ذلك فمرة قال تجب له الشفعة ومرة قال لا تجب واختار اشهب انه لا شفعة له قال انما لو اخذ بالشفعة ثم باع حصته لم يضر ذلك شفعته وروى عيسى عن بن القاسم انه لا يقطع بيعه بحصته في الدار ما وجب له من الشفعة اذا كان قيامه في امدها وروى يحيى بن يحيى عن بن القاسم مثل ذلك وزاد فان سلم الشفعة ولم ياخذ وجبت الشفعة للمشتري في البيع الثاني قال ابو عمر قياس قول الشافعي والكوفيين وانه لا شفعة له الا ان يقضي له بها القاضي قبل بيعه بحصته عند الكوفيين وعند الشافعي لا تجب له شفعة لانه لا يستحق الشفعة الا بالشركة وليس للشريك بعد بيع حصته شفعة فاي شفعة تجب له والشفعة انما تستحق بالشركة في المبتاع بالطلب واداء الثمن وان كان اصل وجوبها البيع وبالله التوفيق‏.‏

كتاب الاقضية

باب الترغيب في القضاء بالحق

1384- مالك عن هشام بن عروة عن ابيه عن زينب بنت ابي سلمة عن ام سلمة زوج النبي ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‏(‏انما انا بشر وانكم تختصمون الي فلعل بعضكم ان يكون الحن ‏(‏1‏)‏ بحجته من بعض فاقضي له على نحو ما اسمع منه فمن قضيت له بشيء من حق اخيه فلا ياخذن منه شيئا فانما اقطع له قطعة من النار‏)‏ قال ابو عمر لم يختلف في اسناد هذا الحديث ولا على هشام وقد رواه ‏(‏عن‏)‏ هشام الثوري وبن عيينة ويحيى القطان وغيرهم ورواه ايضا معمر عن الزهري عن عروة عن زينب عن امها - ام سلمة - عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله وقد روي ‏(‏من حديث‏)‏ ابي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك كله في ‏(‏ التمهيد‏)‏ وفي هذا الحديث من الفقة ان البشر لا يعلمون الغيب واذا كان الانبياء يعرفون بهذا فكيف يصح لاحد دعوى ذلك وهل يحصل من علم الغيب عند مدعيه الا التخرص والتظنن بالنجامة او بالتكهن الذي هو ‏(‏كله‏)‏ الا يسير منه ظن كذب لان الظن اكذب الحديث واما علم صحيح متيقن متبين فلا سبيل إليه والله اعلم‏.‏

وأما قوله ‏(‏فلعل بعضكم ان يكون الحن بحجته من بعض‏)‏ يعني افطن لها واجدل بها قال ابو عبيدة اللحن بفتح الحاء الفطنة واللحن بجزم الحاء الخطا في القول وفيه ان القاضي انما يقضي على الخصم بما يسمع منه من اقرار او انكار او بينات على حسب ما امكنته السنة في ذلك وفيه ان القاضي يقضي بكل ما يقر به عنده ‏(‏المقر‏)‏ لمن ادعى عليه لقوله صلى الله عليه وسلم ‏(‏فاقضي ‏(‏له بمعنى اقضي‏)‏ عليه بما اسمع منه يريد او من بينة المدعي لان هذا هو الذي يسمع مما يحتاج ان يقضي به ولو اقر المقر عنده في مجلس حكمه بما قد استوعب سماعه منه ثم جحد المقر اقراره ذلك ولم يحضر مجلسه ذلك ‏(‏شهيدان وجب على ‏(‏القاضي‏)‏ الحاكم ‏(‏القضاء‏)‏ بما سمع حضرة احد او لم يحضره هذا قول جمهور الفقهاء وهو قول الكوفيين والشافعيين وغيرهم واستحب مالك - رحمه الله - ان يحضره شاهدان واجاز في ذلك شهادة العدل وغيره ولو علم ان ما شهد به الشهود على ما شهدوا به ان ينفد علمه في ذلك دون شهادتهم وذلك دليل على ان ذلك استحباب عنده والله الموفق للصواب وفي ذلك ايضا رد وابطال ‏(‏للحكم بالهوى وبالظنون ايضا‏)‏ قال الله عز وجل ‏(‏يا داود انا جعلناك خليفة في الارض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله‏)‏ الاية ‏[‏ص 26‏]‏‏.‏

وقد احتج بعض اصحابنا بهذا الحديث في رد حكم القاضي ‏(‏بعلمه‏)‏ لقوله ‏(‏فاقضي له على نحو ما اسمع منه ولم يقل على نحو ما علمت منه او من قصته قال وانما تعبدنا بالحكم بالبينة والاقرار وهو المسموع الذي قال فيه ‏(‏صلى الله عليه وسلم‏)‏ ‏(‏انما اقضي على نحو ما اسمع‏)‏ وذلك المسموع من المقر في مجلس الحكم وقد قيل في تاويل قول الله عز وجل ‏(‏واتيناه الحكمة وفصل الخطاب‏)‏ ‏[‏ص 2‏]‏‏.‏

ان فصل الخطاب البينات او اقرار من يلزمه اقراره والعلة في القضاء بالبينة او الاقرار دون العلم التهمة لان الحاكم اذا قضى بعلمه كان مدعيا علم ما لم يعلم الا من جهته وقد اجمعوا ان القاضي لو قتل اخاه لعلمه بانه قاتل لم يجب له القود منه فانه قاتل عمدا ‏(‏والقاتل عمدا‏)‏ لا يرث ‏(‏منه‏)‏ شيئا لموضع التهمة في وراثته ومن احسن ما يحتج به في ان القاضي لا يقضي بعلمه حديث معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة ان النبي صلى الله عليه وسلم بعث ابا جهم على صدقه فلاجه رجل في فريضة فوقع بينهم شجاج فاتوا النبي صلى الله عليه وسلم فاخبروه فاعطاهم الارش ثم قال ‏(‏اني خاطب الناس ومخبرهم انكم قد رضيتم ارضيتم قالوا نعم فصعد رسول الله صلى الله عليه وسلم فخطب وذكر القصة وقال ارضيتم قالوا لا فهم بهم المهاجرون فنزل النبي صلى الله عليه وسلم فاعطاهم ثم صعد ‏(‏المنبر‏)‏ فخطب ثم قال ارضيتم قالوا نعم وهذا بين لانه لم ياخذ ‏(‏منهم‏)‏ بما علم منهم ولا قضى بذلك عليهم وقد علم رضاهم وهذا معظم ما يحتج به من لم ير للقاضي ان يقضي بعلمه واما من راى للقاضي ان يقضي بعلمه منهم الشافعي والكوفي ‏(‏وسنذكرهم بعد - ان شاء الله عز وجل‏)‏ فمن حجتهم انه مستيقن قاطع لصحة ما يقضي به اذا علمه علم يقين وليست الشهادة عنده كذلك لانها قد تكون كاذبة وواهمة وعلمه بالشيء اوكد لانه ينتفي عنه في علمه الشك والارتياب وقد اجمعوا ان له ان يعدل ويسقط العدول بعلمه فكذلك ما علم صحته واجمعوا ايضا على انه اذا علم ان ما شهد به الشهود على غير ما شهدوا به انه ينفذ علمه في رد شهادتهم ولا يقضي بشهادتهم ويردها بعلمه ومما احتج به الشافعي وغيره بقضاء القاضي بعلمه حديث عبادة بن الصامت عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله ‏(‏وان نقوم بالحق حيث ما كنا لا نخاف في الله لومة لائم‏)‏ وقول الله عز وجل ‏(‏كونوا قوامين بالقسط شهداء لله‏)‏ ‏[‏النساء 135‏]‏‏.‏

وحديث عائشة في قصة هند بنت عتبة مع زوجها ابي سفيان بن حرب في قول النبي صلى الله عليه وسلم فيه ‏(‏خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف‏)‏ ولم يكلفها بينة لانه علم صدق قولها من قبل زوجها وحاله التي عرف منه وقالوا انما يقضي ‏(‏بما يسمع‏)‏ فيما طريقه السمع من الاقرار والبينة واما ما كان طريقه علمه فانه يقضي فيه بعلمه ولهم في هذا الباب منازعات اكثرها تشغيب والسلف من الصحابة والتابعين مختلفون في قضاء القاضي بعلمه على حسب اختلاف فقهاء الامصار من ذلك ومما احتج به من قال ان القاضي يقضي بعلمه فيما قضى به علمه مع ما قدمنا ذكره ما رويناه من طريق ‏(‏غير واحد‏)‏ عن عروة وعن مجاهد جميعا بمعنى واحد ان رجلا من بني مخزوم استعدى عمر بن الخطاب على ابي سفيان بن حرب انه ظلمه حدا في موضع كذا وكذا فقال عمر اني لاعلم الناس بذلك وربما لعبت انا وانت فيه ونحن غلمان فاذا قدمت مكة فاتني بابي سفيان فلما قدم مكة اتاه المخزومي بابي سفيان فقال له عمر يا ابا سفيان ‏(‏انهض بنا إلى موضع كذا فنهضوا ونظر عمر فقال يا ابا سفيان ‏!‏‏)‏ خذ هذا الحجر من هنا فضعه ها هنا فقال والله لا افعل ذلك ‏(‏فقال عمر والله لتفعلن فقال لا والله لا افعل فقال‏)‏ والله لتفعلن فقال لا افعل فعلاه عمر بالدرة وقال خذه - لا ام لك - وضعه ها هنا فانك قديم الظلم فاخذ ابو سفيان الحجر ووضعه حيث قال عمر ثم ان عمر استقبل القبلة وقال اللهم لك الحمد اذ لم تمتني حتى غلبت علي ابا سفيان على رايه فاذللته لي بالاسلام قال فاستقبل القبلة ابو سفيان وقال اللهم لك الحمد الذي لم تمتني حتى جعلت في قلبي من الاسلام ما ذللت به لعمر ففي هذا الخبر قضاء عمر بعلمه فيما قد علمه قبل ولايته والى هذا ذهب ابو يوسف ومحمد والشافعي وابو ثور سواء عندهم علم القاضي قبل ان يلي القضاء او بعد ذلك في مصره كان او غير مصره له ان يقضي في ذلك كله عندهم بعلمه وقال ابو حنيفة ما علمه قبل ان يلي القضاء او راه في غير مصره لم يقض فيه بعلمه لانه شاهد واحد في ذلك وما علمه بعد ان استقضي او راه بمصره قضى في ذلك بعلمه لانه في ذلك قاض لا يحتاج ان يضم إليه فيما يقضي به غيره وهذا القول ماخوذ من اجتماع السلف وجمهورهم على ان ما اقر به المقر عند القاضي وهو قاض يومئذ انه يقضي به واتفق ابو حنيفة واصحابه ان القاضي لا يقضي بعلمه في شيء من الحدود لا فيما علمه قبل ولايته ولا فيما ‏(‏علمه‏)‏ بعد ذلك ولا فيما راه بمصره ولا بغير مصره وقال ‏(‏الشافعي‏)‏ وابو ثور حقوق الناس وحقوق الله سواء ‏(‏في ذلك‏)‏ والحدود وغيرها في ذلك ‏(‏سواء‏)‏ جائز ان يقضي القاضي في ذلك كله بعلمه‏.‏

وقال مالك واكثر اصحابه لا يقضي القاضي في شيء من الاشياء بما علمه لا قبل ولايته ولا بعدها ولا يقضي القاضي الا بالبينات او الاقرار وبه قال احمد ‏(‏بن حنبل‏)‏ و‏(‏هو قول‏)‏ شريح والشعبي وفي هذا الحديث ايضا ايجاب الحكم بالظاهر دون اعمال الظن والاستحسان الا ترى ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى في المتلاعنين بظاهر امرهما وما ادعاه كل واحد منهما ونفاه صاحبه واحلفهما بايمان اللعان ولم يلتفت إلى ‏(‏غير‏)‏ ذلك وكانت المراة حاملا فقال صلى الله عليه وسلم ان جاءت بالولد على صفة كذا وكذا فهو للزوج وان جاءت به على صفة كذا وكذا فهو للذي رميت به فجاءت به على النعت المكروه فلم يلتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ذلك لان الشبه قد ينتزع ‏(‏عنه‏)‏ وقد لا ينتزع بل امضى حكم الله فيما بعد ان سمع منها ولم يعرج على الظن ولا اوجب بالشبهة حكما ولا رد به قضاء سلف منه مجتهدا فيه على ما اوجبه ‏(‏الظاهر‏)‏ واما قوله صلى الله عليه وسلم ‏(‏فمن قضيت له بشيء من حق اخيه فلا ياخذه فانما اقطع له قطعة من النار‏)‏ ففيه بيان واضح بان قضاء القاضي بالظاهر الذي يعتد ‏(‏به‏)‏ لا يحل حراما في الباطن على من علمه واجمع العلماء ‏(‏على ‏)‏ ان ذلك في الاموال صحيح كما وصفنا لقول الله عز وجل ‏(‏ولا تاكلوا اموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتاكلوا فريقا من اموال الناس بالاثم وانتم تعلمون‏)‏ ‏[‏البقرة 188‏]‏‏.‏

واختلفوا في حل عصمة النكاح او عقدها بظاهر ما يقضي به الحكم ‏(‏وهو خلاف الباطن‏)‏ فقال مالك والثوري والاوزاعي والشافعي واحمد واسحاق وابو ثور وداود وجمهور العلماء الاموال والفروج في ذلك سواء وهي حقوق كلها لا يحل منها القضاء الظاهر ما هو حرام في الباطن لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم ‏(‏فمن قضيت له بشيء من حق اخيه فلا ياخذه فانما اقطع له قطعة من النار‏)‏ ولم يخص حقا من حق وقال ابو حنيفة وابو يوسف وكثير من اصحابنا انما ذلك في الاموال وقالوا في رجلين تعمدا الشهادة بالزور على رجل انه طلق امراته فقبل القاضي بشهادتهما بظاهر عدالتهما عنده وهما قد تعمدا الكذب ففرق القاضي بشهادتهما بين الرجل وامراته ثم اعتدت المراة انه جائز لاحد الشاهدين ان يتزوجها فانه عالم بانه كان من شهادته كاذبا ‏(‏وهو قول الشعبي‏)‏ لانها لما حلت للازواج في الظاهر كان الشاهد وغيره سواء لان قضاء القاضي ‏(‏وحكمه‏)‏ فرق بينها وبين زوجها وانقطعت عصمتها منه ولولا ذلك ما حلت لزوج غيره ‏(‏واحتجوا بحكم اللعان‏)‏ وقالوا معلوم ان الزوجة انما وصلت إلى فراق زوجها باللعان الكاذب الذي لو علم الحاكم كذبها فيه ما فرق بينها وبين زوجها ولا حكم فيها بغير ذلك من وجوب الحد عليها ‏(‏الجلد‏)‏ او الرجم قالوا فلم يدخل هذا في معنى ‏(‏قول‏)‏ النبي صلى الله عليه وسلم ‏(‏من قضيت له بشيء من حق اخيه فلا ياخذه‏)‏ قالوا الا ترى ان من شهد عليه بالنكاح او بالطلاق وقضى القاضي ‏(‏عليه‏)‏ بذلك لم يكن له الامتناع منه وجاز الحكم بشهادة الشهود عليه ولزمه التسليم له وكانت فرقته بالظاهر فرقة عامة فلما كان ذلك كذلك دخل عليه الشاهد وغيره ولهم في ذلك كلام يطول ‏(‏ذكره في ذلك‏)‏ اكثره لا يصح وليس هذا موضعه والصحيح في ذلك ما ذهب إليه مالك والشافعي ‏(‏وجمهور‏)‏ فقهاء المسلمين انه لا يحل للشاهد بالزور ان يتزوجها وهو عالم بان زوجها لم يطلقها وكذلك غيره اذا علم لم يحل له وبالله التوفيق‏.‏

1385- مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب ان عمر بن الخطاب اختصم إليه مسلم ويهودي فراى عمر ان الحق لليهودي فقضى له فقال له اليهودي والله لقد قضيت بالحق فضربه عمر بن الخطاب بالدرة ثم قال وما يدريك فقال له اليهودي انا نجد انه ليس قاض يقضي بالحق الا كان عن يمينه ملك وعن شماله ملك يسددانه ويوفقانه للحق ما دام مع الحق فاذا ترك الحق عرجا وتركاه قال ابو عمر انما ضرب عمر اليهودي - والله اعلم - لانه كره مدحه وتزكيته لحكمه ‏(‏ في وجهه‏)‏ واما جواب اليهودي له بعد ضربه اياه فقوله له وما يدريك فليس عندي بجواب لقوله وما يدريك والله اعلم ولكن اليهودي لما علم ان عمر كره مدحه له اخبره أنه يجد في كتبه ان الله تعالى ذكره يعين القاضي على الحق ويسدد له ويوفقه لاصابته اذا اراده وقصده ومن عونه له ان يامر الملكين عن يمينه وعن شماله لتسديده وهذا كله ترغيب وندب للحاكم ان القضاء بالحق على ما ترجم به مالك ‏(‏الباب‏)‏ والله الموفق للصواب وروى بن عيينة هذا الخبر عن يحيى عن سعيد بن المسيب ان عمر اختصم إليه مسلم ويهودي فراى ان الحق لليهودي فقضى له فقال اليهودي ‏(‏والله‏)‏ ان الملكين جبريل ومكائيل ليتكلمان بلسانك وانهما عن يمينك وشمالك فضربه عمر بالدرة وقال ‏(‏له‏)‏ لا ام لك ‏!‏ ما يدريك قال انهما مع كل قاض يقضي بالحق ما دام مع الحق فاذا ترك الحق عرجا وتركاه فقال عمر والله ما اراك ابعدت وفي هذا الحديث من الفقة ان المسلم والكافر والذمي في الحكم بينهما والقضاء كالمسلمين سواء وفيه كراهية المدح في الوجه ‏(‏الا من ادب فافعله فلا حرج عليك وان الذي يرضى بان يمدح في وجهه‏)‏ ضعيف الراي وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال سمع رجلا يمدح رجلا فقال له ‏(‏اما انك لو صنعته لقطعت ظهره‏)‏ وروي عنه انه قال ‏(‏المدح في الوجه هو الذبح‏)‏ وروي عنه صلى الله عليه وسلم انه قال ‏(‏احثوا في وجوه المداحين التراب‏)‏ وهو حديث صحيح من حديث المقداد بن الاسود وهذا عندهم في المواجهة وفيه ترك الرد على اهل الكتاب فيما يخبرون به عن كتابهم ‏(‏ فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم‏)‏ لئلا يصدق بباطل او يكذب بحق قال صلى الله عليه وسلم ‏(‏حدثوا عن بني اسرائيل ولا حرج‏.‏

وحدثوا عني ولا تكذبوا علي‏)‏ وقد فسر الشافعي معنى هذا الحديث بما قد ‏(‏ذكرته‏)‏ في غير هذا الموضع حدثني سعيد وعبد الوارث قالا حدثني قاسم ‏(‏بن اصبغ‏)‏ قال حدثني بن وضاح قال حدثني ابو بكر ‏(‏بن ابي شيبة‏)‏ قال حدثني وكيع قال حدثني اسرائيل عن عبد الاعلى التغلبي عن بلال بن أبي بردة بن ابي موسى عن انس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏(‏من سال القضاء وكل إلى نفسه ومن يجبر عليه نزل عليه ملك يسدده قال ابو عمر روى بن عيينة عن مسعر عن محارب بن دثار قال قال عمر بن الخطاب ردوا الخصوم حتى يصطلحوا فان قضاء القاضي يورث الضغائن بين الناس وعن ايوب عن بن سيرين قال لم ار شريحا اصلح بين خصمين قط الا امراة استودعها رجل شيئا ف نقلت متاعها فضاع فاصلح بينهما وسفيان عن مجالد عن الشعبي عن مسروق قال لان اقضي يوما بالحق احب الي من عمل سنة سفيان عن ابي إسحاق عن الشعبي عن مسروق قال لان اقضي يوما بحق احب الي من عمل سنة سفيان عن ابي إسحاق عن الشعبي عن شريح قال كتب الي عمر ‏(‏بن الخطاب - رضي الله عنه‏)‏ اذا جاءك امر في كتاب الله فاقضي به ولا يلفتنك عنه الرجال فان لم تجده في كتاب الله ففيما مضى من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فان لم تجده فيما مضى من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ففيما قضى به الصالحون وائمة العدل فان لم تجد فان شئت ان تجتهد رايك وان شئت ان تؤامرني ولا ارى مؤامرتك فاني لا اسلم لك والسلام ‏(‏ عليك‏)‏ وروى عيسى بن دينار 4 عن بن القاسم ‏(‏قال‏)‏ سئل مالك ايجبر الرجل على ولاية القضاء فقال لا الا ان ‏(‏لا‏)‏ يوجد منه عوض قيل له ايجبر بالحبس والضرب قال نعم قيل له فالفتيا قال لا يجوز الفتيا الا لمن علم ما اختلف الناس فيه قيل له اختلاف ‏(‏اهل‏)‏ الراي قال لا اختلاف اصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ‏(‏ ويعلم‏)‏ الناسخ والمنسوخ من القران والحديث وقد اشبعنا هذا المعنى في كتاب العلم والحمد لله كثيرا‏.‏